كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا. فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك! وقد وضع الله عنك الجهاد. فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. إن بنيّ هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك. والله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد».
وقال لبنيه: «وما عليكم أن تدعوه؟ لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة؟». فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيدًا.
وفي مضطرب المعركة نظر حذيفة بن اليمان إلى أبيه والمسلمون يريدون قتله لا يعرفونه وهم يظنونه من المشركين. فقال حذيفة: أي عباد الله أبي. فلم يفهموا قوله حتى قتلوه. فقال: يغفر الله لكم. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدي ديته. فقال حذيفة: قد تصدقت بديته على المسلمين. فزاد ذلك حذيفة خيرًا عند رسول الله.
وقال وحشي غلام جبير بن مطعم يصف مصرع حمزة سيد الشهداء في هذه الغزوة: قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس. وكنت رجلًا حبشيًا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئًا. فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء. فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني. إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة ضربه ضربة كأنما اختطف رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في ثنته (أحشائه) حتى خرجت من بين رجليه. وذهب لينوء نحوي فغلب. وتركته وإياها حتى مات. ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى المعسكر فقعدت فيه. إذ لم تكن لي بغيره حاجة. إنما قتلت لأعتق..
وقد جاءت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان، فبقرت بطن حمزة، وأخرجت كبده، ولاكتها فلم تقدر عليها. فألقتها..
ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المعركة على جثمان حمزة رضي الله عنه تأثر تأثرًا شديدًا. وقال صلى الله عليه وسلم: «لن أصاب بمثلك أبدًا. وما وقفت قط موقفًا أغيظ إلي من هذا». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكلت شيئًا؟» قالوا: لا. قال: «ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة في النار».
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن شهداء أحد في مصارعهم ولا ينقلوا إلى مقابر المدينة. وكان بعض الصحابة قد نقلوا قتلاهم. فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم برد القتلى إلى مصارعهم فردوا. ووقف- صلوات الله وسلامه عليه- يدفن الرجلين والثلاثة في اللحد الواحد. وكان يسأل: أيهم أكثر أخذًا في القرآن؟ فإذا أشاروا إلى رجلَ قدمه في اللحد. ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة.
فقال: «ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد».
هذه بعض اللقطات من المعركة التي تجاور فيها النصر والهزيمة لا تفرق بينهما إلا لحظة من الزمان وإلا مخالفة عن الأمر وإلا حركة من الهوى وإلا لفتة من الشهوة! والتي تجاورت فيها القيم العالية والسفوح الهابطة! والنماذج الفريدة في تاريخ الإيمان والبطولة وفي تاريخ النفاق والهزيمة!
وهي مجموعة تكشف عن حالة من عدم التناسق في الصف حينذاك كما تكشف عن حالة من الغبش في تصورات بعض المسلمين.. وهذه وتلك أنشأت- وفق سنة الله وقدره- هذه النتائج التي ذاقها المسلمون؛ وهذه التضحيات الجسام التي تتراءى على قمتها تلك التي أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي لا شك أن الصحابة حين ذاك كانوا يحسونها بعمق وعنف ويرونها أشد ما نالهم من الآلام. وقد دفعوا الثمن غاليًا ليتلقوا الدرس عاليًا وليمحص الله القلوب ويميز الصفوف وليعد الجماعة المسلمة للمهمة العظمى التي ناطها بها: مهمة القيادة الراشدة للبشرية وإقرار منهج الله في الأرض في صورته المثالية الواقعية..
فلننظر إذن كيف عالج القرآن الكريم الموقف بطريقة القرآن.
إن النص القرآني لا يتتبع أحداث المعركة للرواية والعرض؛ ولكنه يتتبع دخائل النفوس وخوالج القلوب؛ ويتخذ من الأحداث مادة تنبيه وتنوير وتوجيه..
وهو لا يعرض الحوادث عرضًا تاريخيًا مسلسلًا بقصد التسجيل؛ إنما هو يعرضها للعبرة والتربية واستخلاص القيم الكامنة وراء الحوادث؛ ورسم سمات النفوس وخلجات القلوب وتصوير الجو الذي صاحبها؛ والسنن الكونية التي تحكمها؛ والمبادئ الباقية التي تقررها. وبذلك تستحيل الحادثة محورًا أو نقطة ارتكاز لثروة ضخمة من المشاعر والسمات والنتائج والاستدلالات. يبدأ السياق منها؛ ثم يستطرد حولها؛ ثم يعود إليها؛ ثم يجول في أعماق الضمائر وفي أغوار الحياة؛ ويكرر هذا مرة بعد مرة حتى ينتهي برواية الحادث إلى نهايتها وقد ضم جناحيه على حفل من المعاني والدلائل والقيم والمبادئ لم تكن رواية الحادث إلا وسيلة إليها ونقطة ارتكاز تتجمع حواليها. وحتى يكون قد تناول ملابسات الحادث وعقابيله في الضمائر فجلاها. ونقاها وأراحها في مواضعها فلا تجد النفس منها حيرة ولا قلقًا ولا تحس فيها لبسًا ولا دخلًا..
وينظر الإنسان في رقعة المعركة وما وقع فيها- على سعته وتنوعه- ثم ينظر إلى رقعه التعقيب القرآني وما تناوله من جوانب؛ فإذا هذه الرقعة أوسع من تلك وأبقى على الزمن وألصق بالقلوب وأعمق في النفوس وأقدر على تلبية حاجات النفس البشرية وحاجات الجماعة الإسلامية في كل موقف تتعرض له في هذا المجال على تتابع الأجيال. فهي تتضمن الحقائق الباقية من وراء الأحداث الزائلة والمبادئ المطلقة من وراء الحوادث المفردة والقيم الأصيلة من وراء الظواهر العارضة والرصيد الصالح للتزود بغض النظر عن اعتبارات الزمان والمكان..
وهذه الحصيلة الباقية تدخرها النصوص القرآنية لكل قلب يتفتح بالإيمان في أي زمان وفي أي مكان.. وسنعرض لها متجمعة- إن شاء الله- بعد استعراضها متفرقة في النصوص..
{وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
هكذا يبدأ باستعادة المشهد الأول للمعركة واستحضاره- وقد كان قريبًا من نفوس المخاطبين الأولين بهذا القرآن ومن ذاكرتهم. ولكن ابتداء الحديث على هذا النحو واستحضار المشهد الأول بهذا النص من شأنه أن يعيد المشهد بكل حرارته وبكل حيويته؛ وأن يضيف إليه ما وراء المشهد المنظور- الذي يعرفونه- من حقائق أخرى لا يتضمنها المشهد المنظور. وأولها حقيقة حضور الله سبحانه معهم وسمعه وعلمه بكل ما كان وما دار بينهم. وهي الحقيقة التي تحرص التربية القرآنية على استحضارها وتقريرها وتوكيدها وتعميقها في التصور الإسلامي. وهي هي الحقيقة الأساسية الكبيرة التي أقام عليها الإسلام منهجه التربوي. والتي لا يستقيم ضمير على المنهج الإسلامي بكل تكاليفه إلا أن تستقر فيه هذه الحقيقة بكل قوتها وبكل حيويتها كذلك: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم}.
والإشارة هنا إلى غدو النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة- رضي الله عنها وقد لبس لأمته ودرعه؛ بعد التشاور في الأمر وما انتهى إليه من عزم على الخروج من المدينة للقاء المشركين خارجها.. وما أعقب هذا من تنظيم الرسول صلى الله عليه وسلم للصفوف ومن أمر للرماة باتخاذ موقفهم على الجبل.. وهو مشهد يعرفونه وموقف يتذكرونه.. ولكن الحقيقة الجديدة فيه هي هذه: {والله سميع عليم}.
ويا له من مشهد الله حاضره! ويا له من موقف الله شاهده! ويا لها من رهبة إذن ومن روعة تحف به وتخالط كل ما دار فيه من تشاور. والسرائر مكشوفة فيه لله. وهو يسمع ما تقوله الألسنة ويعلم ما تهمس به الضمائر.
واللمسة الثانية في هذا المشهد الأول هي حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين؛ بعد تلك الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول حين انفصل بثلث الجيش مغضبًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ برأيه واستمع إلى شباب أهل المدينة! وقال: {لو نعلم قتالًا لاتبعناكم} فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة؛ وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه ويطغى في ذلك القلب على العقيدة.. العقيدة التي لا تحتمل شركة في قلب صاحبها ولا تطيق لها فيه شريكًا! فإما أن يخلص لها وحدها وإما أن تجانبه هي وتجتويه!
{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
وهاتان الطائفتان- كما ورد في الصحيح- من حديث سفيان بن عيينة- هما بنو حارثة وبنو سلمة. أثرت فيهما حركة عبد الله بن أبيّ، وما أحدثته من رجة في الصف المسلم من أول خطوة في المعركة. فكادتا تفشلان وتضعفان. لولا أن أدركتهما ولاية الله وتثبيته كما أخبر هذا النص القرآني: {والله وليهما}.
قال عمر رضي الله عنه سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا}.. قال: نحن الطائفتان.. بنو حارثة وبنو سلمة.. وما نحب (أو وما يسرني) أنها لم تنزل، لقوله تعالى: {والله وليهما}. رواه البخاري ومسلم.
وهكذا يكشف الله المخبوء في مكنونات الضمائر؛ والذي لم يعلمه إلا أهله، حين حاك في صدورهم لحظة؛ ثم وقاهم الله إياه وصرفه عنهم وأيدهم بولايته فمضوا في الصف.. يكشفه لاستعادة أحداث المعركة واستحياء وقائعها ومشاهدها. ثم.. لتصوير خلجات النفوس وإشعار أهلها حضور الله معهم وعلمه بمكنونات ضمائرهم- كما قال لهم: {والله سميع عليم}- لتوكيد هذه الحقيقة وتعميقها في حسهم. ثم لتعريفهم كيف كانت النجاة؛ وإشعارهم عون الله وولايته ورعايته حين يدركهم الضعف ويدب فيهم الفشل ليعرفوا أين يتوجهون حين يستشعرون شيئًا من هذا وأين يلتجئون. ومن ثم يوجههم هذا الوجه الذي لا وجه غيره للمؤمنين: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
على وجه القصر والحصر.. على الله وحده فليتوكل المؤمنون. فليس لهم- إن كانوا مؤمنين- إلا هذا السند المتين.
وهكذا نجد في الآيتين الأوليين، اللتين يستحضر بهما القرآن مشهد المعركة وجوها هذين التوجيهين الكبيرين الأساسيين في التصور الإسلامي وفي التربية الإسلامية: {والله سميع عليم}.
{وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
نجدهما في أوانهما المناسب وفي جوهما المناسب؛ حيث يلقيان كل إيقاعاتهما وكل إيحاءاتهما في الموعد المناسب؛ وقد تهيأت القلوب للتلقي والاستجابة والانطباع.. ويتبين- من هذين النصين التمهيديين- كيف يتولى القرآن استحياء القلوب وتوجيهها وتربيتها؛ بالتعقيب على الأحداث وهي ساخنة! ويتبين الفرق بين رواية القرآن للأحداث وتوجيهها وبين سائر المصادر التي قد تروي الأحداث بتفصيل أكثر؛ ولكنها لا تستهدف القلب البشري والحياة البشرية بالإحياء والاستجاشة وبالتربية والتوجيه. كما يستهدفها القرآن الكريم بمنهجه القويم.
هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون- وقد كادوا- وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي؛ وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم. وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين.
ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة! فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة عن المصير الذي انتهت إليه بسبب ذلك الخلل في الصف وبسبب ذلك الغبش في التصور..
وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر- معركة بدر- لتكون هذه أمام تلك. مجالًا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج؛ ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة وأسباب النصر وأسباب الهزيمة. ثم- بعد ذلك- ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله؛ لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء. وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين وفي جميع الأحوال: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفًا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم}.
والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة- كما أسلفنا- فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر. لم تكن الكفتان فيها- بين المؤمنين والمشركين- متوازنتين ولا قريبتين من التوازن. كان المشركون حوالي ألف خرجوا نفيرًا لاستغاثة أبي سفيان لحماية القافلة التي كانت معه مزودين بالعدة والعتاد والحرص على الأموال والحمية للكرامة. وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة إنما خرجوا لرحلة هينة. لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها؛ فلم يكن معهم- على قلة العدد- إلا القليل من العدة- وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ومنافقون لهم مكانتهم، ويهود يتربصون بهم.. وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة. ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبتة غير مستقرة في هذه البيئة!
فبهذا كله يذكرهم الله سبحانه ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}.
إن الله هو الذي نصرهم؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات.
وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم. فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله، الذي يملك النصر والهزيمة؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان. فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر؛ وأن تجعله شكرًا وافيًا لائقًا بنعمة الله عليهم على كل حال.
هذه هي اللمسة الأولى في تذكيرهم بالنصر في بدر.. ثم يستحضر مشهدها ويستحيي صورتها في حسهم، كأنهم اللحظة فيها: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}.
وكانت هذه كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر للقلة المسلمة التي خرجت معه؛ والتي رأت نفير المشركين وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح! وقد أبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغه يومها ربه لتثبيت قلوبهم وأقدامهم وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم.. وأبلغهم كذلك شرط هذا المدد.. أنه الصبر والتقوى؛ الصبر على تلقي صدمة الهجوم والتقوى التي تربط القلب بالله في النصر والهزيمة: {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}.